"غدي نيوز" – قسم الصحة -
الأرجح أنك سمعت كثيراً بمصطلح "لجينوم" Genome الذي دوّى عالياً منذ مطلع الألفية الثالثة مع التوصل إلى تفكيك شيفرته، بعد جهود عملية استمرت قرابة عقدين. والأرجح أيضاً أنك لم تسمع كثيراً بمصطلح "إيبيجينوم" Epigenome ربما لأن القفزة النوعية فيه لم تجذب اهتمام سوى من يهتم بمتابعة التطوّر المبهر الذي تشهده علوم البيولوجيا في الآونة الأخيرة.
وحدثت تلك القفزة عندما تمكن فريق علمي دولي من التعرّف إلى التركيب الذريّ والجزيئي، لـ "المفاتيح" التي تتحكّم في عمل الجينات التي يحتويها الجينوم.
وضمّ الفريق مختصين من كرواتيا وكندا وأميركا، عملوا على التعرف إلى تفاصيل التركيب الذري والجزيئي لـتلك المفاتيح، في 100 نوع من الخلايا في الجسم البشري الذي يضمّ 200 نوع أساسيّ من الخلايا.
المفاتيح
ويذكر أن الجينوم البشري (الحمض الوراثي "دي أن إيه" DNA) يحتوي قرابة عشرين ألف جين. وبعد أن تمكن العلماء من التعرف إلى تركيب الجينوم، انتقل اهتمامهم إلى معرفة طرق عمل الجينات وآليات التحكّم بها، وتالياً سبل السيطرة عليها.
لماذا لا تصاب التوائم المتطابقة بالأمراض ذاتها، طالما أنها تملك التركيبة الجينيّة عينها؟ كيف يظهر 200 نوع من الخلايا في الجسم، انطلاقاً من الحمض الوراثي عينه؟ ما هي علاقة التراكيب المختلفة التي يضم حمض الوراثة، بعمل شيفرة الجينات؟
وعملت مجموعة من المبادرات العلميّة على التعرف إلى طريقة عمل الجينات. وفي 2008، انطلق مشروع علميّ رصدت له الحكومة الأميركيّة ربع بليون دولار على مدار عشر سنوات. حمل المشروع اسم "برنامج خريطة طريق لمعرفة آليات عمل الـ (إيبيجينوم)". وتنصب جهود المشروع على معرفة الآليات التي تتحكّم بعمل الجينات، خصوصاً المكوّنات التي تتحكم بتلك الآليات. وجاء اكتشاف التركيب الجزيئي لنصف "المفاتيح" التي تتحكّم بالحمض الوراثي، في سياق ذلك المشروع.
الأحوال المتقلبة للجينات
أثارت النتائج المترتبة على اكتشاف المفاتيح التي تتحكم بعمل الجينات مجموعة أسئلة علمية. إذ تؤكّد خريطة المفاتيح الجينيّة، أن تركيب الجينوم أعقد مما كان يعتقده العلماء. ويكفي الإشارة إلى أن "المناطق الصامتة" (بمعنى أنها لا تشارك في صنع الجينات) داخل الحمض الوراثي، تفوق كثيراً تلك التي تنشط في عمل الجينات نفسها!
وانصبّت جهود العلماء على التعرّف إلى التركيب الدقيق للمناطق لوحِظ أنها تتحكّم في الجينات، بمعنى أنها تحدّد إذا كان جين معين ينشط ويؤدّي الوظائف المُشفّرة في تركيبته، أم أنه يبقى خامداً، أو ينشط بصورة جزئيّة.
وشدّد الفريق الذي اكتشف 100 من مفاتيح الجينات، وهي تساوي نصف عددها الإجمالي، على أنها تندرج أيضاً ضمن جهود تعمل على مراكمة المعرفة في شأن "الأدوية الدقيقة" Precision Medications، بمعنى صنع أدوية تتجاوب مع تركيبة الجينات وعملها لدى كل فرد على حِدَة.
نقاشات شائكة
وكذلك تفتح المفاتيح الجينيّة، أسئلة عن طبيعة المعلومات التي يمكن استخلاصها من حمض الوراثة، خصوصاً أنها (المفاتيح) تتأثّر بعوامل شخصيّة وبيئيّة تشمل التدخين والوزن وممارسة الرياضة وغيرها.
وإذا حمل شخص ما جيناً يؤهّله للإصابة بسرطان البروستات أو مرض "الآزهايمر"، فلربما يواجه في مستقبل قريب مشاكل تتعلّق بتوظيفه، إذا استخدمت الشركات معلومات الجينوم لاستبعاد من لا تريد أن تتحمل تكلفة علاجهم مستقبلاً.
لكن، إذا امتلك الشخص عينه مفتاحاً جينيّاً يبطل عمل الجينات المريضة، ينخفض احتمال إصابتة بتلك الأمراض.
ويزيد في تعقيد الصورة أن الأفراد يستطيعون أن يمارسوا نمط حياة تؤدّي إلى تفعيل "المفاتيح"، ما يؤدّي أيضاً إلى وقايتهم من الأمراض التي يحملون تأهيلاً جينيّاً للإصابة بها. واستطراداً، تعتبر مفاتيح الجينات بعداً جديداً في النقاشات الشائكة عن الجينوم وتأثير التعرف إلى تركيبته عند البشر.
بتصرف عن "الحياة" اللندنية