"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
اكتظت ساحة معاصر الشوف خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي بالمواطنين من مختلف المناطق اللبنانية، جمعتهم "محمية الشوف للمدى الحيوي" بالتعاون مع "جمعية جبلنا" وبلدية معاصر الشوف، في سياق أنشطها الهادفة إلى ترسيخ الاستدامة والتمسك بالأرض والعودة إلى الجذور، والحفاظ على الإرث الإيكولوجي في لبنان عموما والجبل بشكل خاص.
وجاء نشاط الأحد الماضي تحت عنوان رئيس "العافية بالنباتات البرية" وهو أول نشاط من نوعه في المحمية ولبنان، لجهة تنوع المواضيع والمحاضرات والنشاطات المختلفة التي استقطبت العديد من الناشطين والخبراء والمواطنين من كافة الفئات العمرية.
نشاط متنوع
شارك في هذا اليوم عدد من الجمعيات البيئية والأكاديميين والخبراء، ولا سيما في مجال النباتات، وناهز عدد العارضين الـ 50 عارضا، منهم من عرض استخدامات النباتات في مجال الطبخ، التجميل، تصنيع الصابون، الطعام الصحي والموسمي، زراعة وبيع الشتول والنباتات المفيدة، الفنون المتعلقة بالنباتات من رسم وتصوير، كما شمل جانبا علميا كان عبارة عن محاضرات من أكاديميين حول النباتات وأسئلة من مرتادي النشاط حولها.
سليم: تأهيل الأراضي
وتخلل النشاط أيضا زيارات متعددة للمحمية لممارسة رياضة المشي، كما قام فريق المحمية بمشاركة المهتمين بزيارة للمدرجات الزراعية المستحدثة في أراض خاصة لإعادة تأهيل الأراضي المهملة بطريقة مستدامة، حيث رافق المجموعات المهندس خالد سليم، وعرض في هذا المجال، لدور المدرجات الزراعية في المحافظة الطبيعية على المياه والتربة والنباتات البرية المختلفة، وقال في هذا المجال: "تخدم المدرجات الزراعية التي أقام العديد منها أجدادنا وظائف عدة، لذا تتابع المحمية استصلاح العديد من الأراضي بإقامة العديد منها، كما نقوم بزراعة النباتات البرية إنما بطريقة مستدامة حيث بدلا من استخدام المحراث نقوم بتأهيلها كما كان يقوم به جدودنا، وبطريقة قديمة إنما ناجعة، تحافظ عليها وتكافح الحشرات الضارة وتمنع استخدام المبيدات، بزرع ثلمين في كل (جل)، وبزرع أنواع محلية ذات قيمة اقتصادية تتحمل الجفاف ولا تتطلب الري، وتؤمن المدخول الكافي للمزارع وتساهم في حماية الطبيعة وتنوعها البيولوجي، وبالتالي خلق مشاهد طبيعية جميلة تجذب الزوار مثل زعتر (البزاع) المستخدم في الطعام واللافندر ونترك ثلما للنباتات البرية الطبيعية، كي نحافظ على التنوع وعلى هذه النباتات، ومجموع هذه النباتات وأزهارها وتنوعها تفيد النحل الذي يقتات على هذه الزهور لينتج العسل".
وأضاف: "كما تلاحظون فإننا نحافظ على الأشجار البرية من سنديان وغيره، وتخدم جذورها في المحافظة على التربة، كما تستخدم كـ (سقالات) طبيعية لزراعة العنب، لينتج عنبا بجودة أفضل، وهي تنمو بطريقة أفضل قرب الجدران الفاصلة لـ (الجلال) كون هذه الجدران، التي نعمل على صيانة القديم منها وبناء العديد منها في الأراضي المنحدرة تحافظ على المياه وتشكل بيئة متكاملة للحشرات المفيدة وبعض النباتات"، وتابع المواطنون مع سليم زيارة لموقع التسبيخ حيث شرح آلية التسبيخ وضرورة استخدام بقايا أوراق السنديان وأغصانه الناتجة عن عملية التشحيل النموذجي في هذه الأراضي لحماية الأراضي من الحرائق لتعديل حموضة (الكومبوست) ومراقبة حرارته، وثم توريده بعد تسبيخه ومعالجته للمزارعين لاستخدامه كسماد طبيعي في الزراعة، فضلا عن استخدام الأخشاب الناتجة في تصنيع حطب مضغوط بإضافة بقايا الزيتون لاستخدامها في التدفئة شتاء".
حديقة النباتات المتنقلة
على مدخل ساحة المعرض "تستقبل" الوافدين الحديقة النباتية المتنقلة من جمعية "اليد الخضراء" Green Hand المشاركة في هذا النشاط، وتحتوي عددا من النباتات الموجودة في طبيعتنا للتوعية حولها في المدارس والمناطق، فضلا عن عرض لمنتجات الجمعية التي تخدم العديد من العائلات من منطقة عاليه، واستخدام النباتات البرية في تصنيع أنواع من الشاي الصحي لكافة الإستخدامات، فضلا عن الأملاح الخاصة المستخدمة في الطبخ بإضافة نكهات طبيعية محلية من الورد البري وغيره.
في جانب آخر من المعرض، تابعت جمعية Green Orient، طريقة لتصنيع الصابون (على البارد)، مستخدمة مركزات من العطور من نباتات محلية، فضلا عن ورشة لزراعة الشرفات بالنباتات الطبية والمفيدة في الطعام والشراب.
الربيع: الطبخ الموسمي للصحة
والتقينا الدكتورة نسب الربيع، وهي اخصائية في الجراحة النسائية والتوليد، فضلا عن الطب الطبيعي وقد كتبت كتابا بعنوان الطبخ الموسمي، وألقت محاضرة حول هذا الموضوع، وقالت لـ ghadinews.net: "أنا مولودة في بلدة الزعرورية في الشوف، ومنذ صغري أعشق الطبيعة، والبيئة والأعشاب، وقد درست في هذا المجال وحصلت على دبلوم في الطب الطبيعي، وأعيش بطريقة طبيعية، فأحاول الحصول على المنتجات الطبيعية بدون مواد حافظة أو هرمونات، وأنا نباتية منذ 20 عاما، وناشطة في مجال البيئة، ولدينا كنز طبي وبيئي وسياحي وصحي في الطب الجسدي والنفسي من الأعشاب، وأحصل على النباتات في موسمها من الطبيعة، كأوراق وأزهار وبذور وثمار وأستخدمها في العلاج والمحافظة على الصحة الجسدية والنفسية، فلدينا تنوع أكثر من إيطاليا، ولكن ينقصنا متابعة الدولة بالأبحاث الخاصة بهذه النباتات، وتوعية الناس بها"، وأشارت إلى أنه "للأسف فإن التلوث يصيب هذه الطبيعة، بالنفايات ونلوث المياه والهواء والتربة".
وأضافت: "العناصر الأساسية لصحة سليمة هي الغذاء الصحي والماء والهواء بالإمتناع عن التدخين والكحول والمخدرات وممارسة التمارين الرياضية وأن نتابع الأمور بروية وعلم وثقافة والمحافظة على كنزنا وهو لبنان، الذي يحتوي كافة العناصر لصحة سليمة وعقل سليم"، وأكدت على ضرورة "دعم الأبحاث المتعلقة بالنباتات أسوة بكافة الدول، التي تتابع هذا الموضوع، فقد اكتشفنا في الطب أن الوقاية ضرورية باستخدام العناصر الطبيعية، وإن مرضنا واستطعنا علاجه بالطرق الطبيعية يكون من الأسلم، وإلا نلجأ للطب التقليدي، وعلينا عند المرض النظر إليه من هذين المنظارين وعلاجه، فالطب بشقيه يتكامل، ويتطور، ولا يمكننا إلغاء واحد على حساب الآخر، والوقاية أهم من العلاج"، وأفضل علاج برأيها "هو المشي في الطبيعة، واستخدام النباتات المليئة بالأسرار مثلا نبتة مثل المشة وهي موجودة في الجبل، وهي مفيدة للكثير من الأمراض، وإحدى النباتات التي كان يستخدمها المعلم كمال جنبلاط في موسمها وبكثرة".
الزين: المحافظة على النباتات
أما الخبير في ايكولوجيا النباتات من الجامعة الأميركية في بيروت محمد الزين فتحدث لـ ghadinews.net عن مشاركته في هذا النشاط، وقال: "مداخلتي عبارة عن محاضرة حول كيفية المحافظة على النباتات، في مواقعها وبالتحديد عن طريقتين وهي بانشاء محميات طبيعية أو محميات مصغرة micro reserves وقد عملت على هذه المحميات المصغرة الدكتورة ماغدا أبي داغر خراط من الجامعة اليسوعية".
وأضاف: "كما سنوضح كيفية المحافظة على النباتات خارج موائلها الطبيعية، وعن بنوك البذور، واستخدام النباتات البرية في تزيين الحدائق Landscaping، وعن الـ (الحدائق الملحقة) Ancillary gardens أي لا نعتبرها حدائق نباتية botanical gardens بكل معنى الكلمة، مثال عليها حدائق الجامعة الأميركية في بيروت، حيث يتم المحافظة على بعض أنواع النباتات فيها، والمسؤولة عن هذا المشروع الدكتورة سلمى تلحوق، وستلقي الطالبة مايا ملحم بالنيابة عنها محاضرة اليوم، كونها لم تستطع مشاركتنا اليوم".
غانم: توعية الجيل الجديد
من جهته قال رئيس جمعية غدي وناشر موقع ghadinews.net فادي غانم الذي حضر هذا النشاط: "نشاط العافية بالنباتات البرية نشاط رائع للعائلات والأفراد ونتمنى أن يتكرر وفي مناطق عدة".
وأضاف: "لقد أعادنا (النشاط) إلى الجذور وطرق الأجداد، والتعرف على النباتات الموجودة، خصوصا تعريف وتوعية الجيل الجديد عن أهمية النباتات والتنوع البيولوجي الذي نقضي عليه وضرورة العودة للطبيعة لأنها مصدر غنى وصحة، ومن الضروري توعية الجيل الجديد ولا سيما طلاب المدارس، وأن يتم تحضير دورة خاصة ليتعرفوا على هذه النباتات واستعمالاتها بالطرق التقليدية، وكيفية إكثارها لمنع انقراضها، ونحن نتابع هذا النشاط في (جمعية غدي) وموقع (غدي نيوز) كما نتابع كافة نشاطات المجمية، وهناك جهد كبير مبذول، ونتمنى أن يعمم هذا النشاط على كافة المناطق حول المحمية ليكون هناك برنامج شهري يشمل كافة المناطق في لبنان، ويمكن أكبر عدد المشاركة فيه، وحضورنا في هذا النهار الطويل بوجود زملائنا من أعضاء اللجنة العالمية لحماية الطبيعة IUCN يهمنا أن يعرف الناس ما تقوم به هذه المنظمة الدولية والنشاطات والتقدمات التقنية التي يمكن للأعضاء المساهمة به لأفراد المجتمع من جمعيات وغيرها، وسنكون حاضرين في كافة النشاطات والفعاليات بصفتنا كجمعية وكعضو في الـ IUCN وفي كافة المناطق، مع شكر للقيمين من المحمية وجمعية جبلنا وكافة المشاركين على هذا النشاط الهام".
هاني: اليوم العالمي للتنوع البيولوجي
وقال مدير لجنة المحمية نزار هاني لـ ghadinews.net: "نأمل أن تتكرر هذه المبادرة الأولى في السنوات القادمة، فكما ترون لا يمكننا استيعاب أعداد كبيرة، فهي ورشة عمل مكونة من عدة نشاطات، مثلا ورشة الصابون، هناك حوالي 50 شخصا يتابعونها لدى جمعية (Green Orient)، فضلا عن طرق الزراعة المائية Hydroponic، والطبخ الصحي مع الشيف حسين عبد الساتر فلا يمكن استيعاب أعداد كبيرة، فالهدف التوعية حول النباتات بالإطار العلمي، عبر المحاضرات، والعملي عبر ورش العمل، واخترنا الأشخاص الذين يمارسون هذه النشاطات في أعمالهم أي Practitioners سواء في الطب، الصحة، الطبخ وغيرها، بالإضافة إلى رحلات ميدانية ضمن نطاق المحمية للتعريف على هذه النباتات في بيئتها الطبيعية والتوعية على أهميتها، وكيفية زراعتها وتسبيخها وكيف نستخدم المواد التي نتخلص منها في بيوتنا لصناعة سماد يمكن استخدامه لتسميد النباتات، أي دورة متكاملة منتجة ومستدامة، وهو المبدأ الذي تعمل عليه المحمية بالتعاون مع جمعية (جبلنا) وبلدية معاصر الشوف، لزيادة الوعي حول الطبيعة وكيف يمكن الإعتماد على الطبيعة أكثر وتقليل التلوث، والحصول على غذاء صحي ذات جودة عالية أو High quality food، كما نحتفل عبر هذا النشاط باليوم العالمي للتنوع البيولوجي International Day for Biological Diversity ويصادف في 22 أيار (مايو) من كل عام، وكل العالم يحتفل به، وقد أرسلت سكرتارية (اتفاقية التنوع البيولوجي)convention on biological diversity برسالة لجميع المنظمات البيئية في العالم، ملخصها التساؤل عن هذه الإتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1993، وأين وصلنا، وما الجهود المبذولة وهل توصلت إلى الجهود للوصول إلى الأهداف المستدامة للعام 2030، وأنه للأسف فإن هناك تدهورا في التنوع البيولوجي وانحسارا في المساحات الخضراء وتلوثا في الهواء، ودعت في الرسالة إلى تنظيم واستضافة فعاليات محلية مع فعاليات أخرى، ومن ضمنها هذه التظاهرة العلمية والمحلية الهامة للاحتفال باليوم الدولي للتنوع البيولوجي، تحت شعار "الاحتفال بـ 25 عامًا من الجهود في حماية التنوع البيولوجي".
وأضاف: "نقوم بهذا النشاط على الرغم من التحديات البيئية التي سبق ذكرها، وهو الأول من نوعه على مستوانا المحلي ومع جميع المعنيين لنتوصل لإدارة مستدامة أفضل ولأهداف التنمية المستدامة SDGs في العالم".
وقال هاني: "هدفنا من هذا النشاط توفير مدخول للمنتجين الصغار والذين يعتمدون على الطبيعة في هذه المنتجات لتسويق بضائعهم، فكما تشاهدون هناك أشخاص يبيعون الصابون، والطبخ الطبيعي وغيرها، وهو جزء أساسي من عمل المحمية بهدف تسويق المنتجات المحلية وتشجيع المنتجين الصغار لنزيد الوعي وتثبيت المواطنين في أراضيهم، فضلا عن الرحلة إلى الأراضي الزراعية المهملة من ضمن برنامج تأهيل المناطق الزراعية المهملة، كما تتابعونا دوما كونكم شريك لنا في هذه النشاطات الهامة، وهذه النشاطات ضمن مبادرات عدة تدعم اتجاهنا نحو الترشح والفوز باللقائمة الخضراء Green List التي تابعتنا مشكورة غدي نيوز فيها، ويندرج هذا النشاط ضمن الجانب التوعوي الضروري للمحمية".
وقد شارك العديد من المواطنين في هذا النشاط ومن الأكاديميين والمهتمين ومنهم البروفسور جورج طعمة وزوجته الدكتورة هنرييت طعمة.