"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
كما هو معلوم، إذا ما تتبعا مسار تطور البشرية، فإن الابتكارات توصل إليها الإنسان من مراقبة بعض الكائنات، ألهمت وما تزال العلماء من خلال فهم آلية حركتها وأنماط حياتها في مواجهة الظروف الطبيعية وتأمين سبل استمرارها وبقائها، حتى أن الإنسانية تدين بكثير من الاختراعات إلى الطيور والحيوانات والعديد من الكائنات بما فيها الحشرات والقوارض.
فقد أظهرت دراسة علمية حديثة أن القندس Beaver (جنس من الحيوانات من رتبة القوارض)، واسمه العلمي Castor، يبني السدود في محيط بيئته الطبيعية في الأنهر وسط الغابات، ما يساهم في منع الفيضانات، ويبدي الخبير في العلوم الطبيعة البروفسور ريتشارد برازيير Richard Brazier شديد إعجابه بعمل القنادس في "غابات ديفون" woodland Devon، عندما عاين ودرس كيف أن هذه القوارض تقدم نموذجا أكثر توازنا للوقاية من الفيضانات.
وهذا الاكتشاف من شأنه أن يساعد في مواجهة الإنسان للفيضانات، فعلى سبيل المثال، تنفق الحكومة البريطانية على إدارة الفيضانات حولي 3 مليارات جنيه إسترليني، في الوقت الذي أصبحت فيه الفيضانات أكثر شيوعا، لذلك تحاول الحكومة الاستفادة من الأمر في مشروع يسمى "إدارة الفيضانات"، من خلال تسخير كل المواد في سبيل منع وصول المياه للمصب بدلا من بناء دفاعات وموانع كلفتها عالية.
مشروع "ديفون 3"
ويمكن أن تكون القنادس التي تسكن على مساحة ثلاثة هكتارات من الغابات بالقرب من أوكهامبتون Okehampton في ديفون جزءا من الحل، ففي الأعوام الخمسة الأخيرة مع وصول القنادس إلى هذه المنطقة، عملت على اقتلاع الأشجار وأكل لحائها وحفر السدود والقنوات وصنعت بأنفسها مكانا لإقامتها.
وبحسب البروفسور برازيير، فإن القنادس كائنات تهندس البيئة لصالحها، ومن هنا تكمن فائدتها.
ومن هنا تبلور مشروع "ديفون 3"، وهو يستهدف محاور رئيسية، هي: تخزين المياه وإضعاف الفيضان، ونوعية المياه، ويعتقد القائمون على المشروع أن القنادس تستطيع أن تساعد في المحاور الثلاثة ، فالسدود الـ 13 التي بنتها هذه الحيوانات على طول 150 مترا ساعدت في توسيع سعة تخزين المياه، وقللت من مستوى تدفق المياه، وحسنت من نوعية المياه التي تخرج من السد.
ويضيف برازيير: "في البداية بنت القنادس سدودا تستوعب بضع مئات من الليترات، ولكنها اليوم تتسع لحوالي 65 ألف ليتر"، وتظهر الرسوم التوضيحية أن السدود تستطيع احتواء هطولات المطر المفاجئة ثم الإفراج عنها ببطء من السدود إلى النهر، وبهذه الطريقة تمنع الفيضانات التي تحدث في النهر، وتوفر موردا موردا في فترات الجفاف.
الحماية من الفيضانات
ويؤكد مدير المشروع مارك اليوت Mark Elliott أن "ما يحدث هنا هو أمر استثنائي يسمح للحيوانات ببناء نظام بيئي يفيد بساتين الفاكهة المجاورة والكثير من أنواع الحيوانات التي تعيش على مصبات الأنهر"، وأشار إلى "اننا قبل خمسة أعوام عندما بدأنا التفكير في المشروع، لم نكن نعرف أننا سنصل إلى هذه النتيجة".
ويقول اليوت: "حصلنا على ترخيص لمدة خمس سنوات، واستطعنا نقل القنادس من مناطق أخرى من بريطانيا، وكنا مهتمين لمعرفة ماذا تستطيع هذه الحيوانات أن تفعل، وكان من الصعب في السابق على المزارعين ادارة المياه وتخزينها وحماية المزارع من الفيضانات، واليوم استطعنا فهم كيف يمكن للقنادس وملاك الأراضي أن يتعايشوا من خلال دراسة تأثير القنادس على الزراعة والحياة البرية والبيئة والسياحة"، ويؤكد: "أكثر ما يثير قلق الناس ليس القنادس، ولكن السياح الذين يجوبون نهر "أوتر" Otter لرؤية عمل هذه الحيوانات".
مخاوف
لكن من جهة ثانية، يرى مستشار البيئة في اتحاد المزارعين الوطني بول كونغنتون Paul Cottington أن تأثير القنادس على البيئة يمكن أن يجعل من إدارة الفيضانات أمرا هامشيا"، ويشير: "إذا كانت القضية حول إدارة الفيضانات، فإن جلب القنادس لا يجب أن يكون أولوية بالنسبة لنا، الأمر يبدو عاطفيا أكثر فالقنادس جميلة المظهر، ولكن بمجرد أن تكتفي بذاتها تصبح عدائية قليلًا".
وأضاف: "القنادس موجودة في كل مكان تقريبا في بافاريا وأميركا الشمالية، وظهرت في تلك المناطق قضايا أكبر مثل غمر المياه للمحاصيل الزراعية، وتأثير حياة القنادس على البنية التحتية، وفي هذا المشروع تظهر قضية أكبر بعد 10 أو 20 عاما عندما تصبح القنادس كثيرة العدد وتحتل مناطق يديرها البشر، فكيف سيتمكن الناس من السيطرة عليها؟".