"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
لم نسمع يوما منذ ثورة الاتصالات الحديثة، أي قبل نحو خمس عشرة سنة أن مسؤولا تحرك لمجرد أن علم بمشكلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبا ما كانت الجمعيات البيئية والأهلية تناشد عبر بيانات لمواجهة قضية ما، وفي النادر ما كانت تلقى اهتماما، وإلى حد كبير كانت ثمة غربة بين المواطن والمسؤول، وفي حال كان ثمة اهتمام فلم يكن يتعدى القيام بإجراء روتيني كالادعاء – على سبيل المثال – على من تخطى القانون، خصوصا لجهة التعرض للكائنات البرية المحمية بموجب أو صيد طيور محظور صيدها.
المشكلة الراسخة في أذهان من يتولون المسؤولية، أن عملهم ظل محكوما بأطر تقليدية لا تواكب الحداثة مع ما فرضته من متغيرات كثيرة، فإيقاع الحياة تبدل على نحو كبير، وما كان يصح بالأمس ما عاد اليوم صالحا لمقاربة ومعالجة أزماتنا، ولم يستفد يوما أي مسؤول من وسائط الاتصال الحديثة، لا سيما منها منصات التواصل الاجتماعي، فــ "التغريد" وحده لا يكفي لنؤكد أننا "حداثوين"، وما نعيشه اليوم أوجد منظومة مختلفة تماما على مستوى العلاقات والتواصل، ومن الأمثلة أن الناشطين يطلقون مجموعة عبر "واتس آب" لتحريك ومتابعة قضية ما، ويمكن لهم أيضا عقد اجتماعات عبر "سكايب"، بمعنى أنه لم تعد ثمة مسافة وحواجز، وهذا ما لم يتداركه المسؤولون لمواكبة المتغير اجتماعيا.
ما لفت انتباهنا أمس، أن وزير البيئة فادي جريصاتي قدم نموذجا استثنائيا أكد من خلاله أن منصات التواصل الاجتماعي تتيح فرصة للمسؤول ليكون على تماس مع قضايا الناس، ولا سيما فيما يخص مهامه كوزير للبيئة، وأن هذه الأخيرة تعكس آراء الناس، ومن خلالها أيضا يمكن استحضار نبض الشارع، بمعنى أنه وظف "العالم الافتراضي" في الواقع، وهذا ما يحسب له، في سابقة كتب له أن يكون أول من أطلقها.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الأيام الماضية بقضة مسؤولة ومطلقة "حمى المنصوري" في قضاء صور منى خليل، لجهة فرض رسوم على الحمى المفترض أن تكون معفاة من أية ضريبة، خصوصا وأن الحمى وإن كانت قائمة في جزء منها بملك خاص يعود للسيدة خليل، إلا أن الدولة بدلا من أن تمد يد العون والمساعدة لم تر أن ثمة منشأة بيئية تحمي وترعى سلاحف البحر على مدى تسعة عشر عاما، يعاونها متطوعون، فضلا عن دورها في حماية هذا الشاطئ، وهي واجهت منذ نحو سنتين تعديات تمثلت في بناء مجمع سياحي مخالف لنظام الحمى، ولم تتمكن من إيقاف هذا المشروع، لأن أحدا لم يهتم لجهة تبني السياحة المستدامة لا "سياحة الاسمنت".
بالأمس فوجئت خليل باتصال أجراه معها الوزير جريصاتي الذي وقف على ما تواجه من مشاكل، واعدا بزيارة الحمى في أقرب فرصة، وكتبت عبر صفحتها في "فيسبوك": "تسعة عشر عاما وأنا في حمى المنصوري، أدافع عنه، أحمي سلاحف البحر، أدافع عن هذا الشاطئ حرصا على بيئة بلدي، تسعة عشر عاما وأنا في حاضرة العمل إلى جانب متطوعين، من أجل أن يبقى لشاطىء المنصوري هذا المدى الساحر، وكي لا يحتله "الاسمنت" ويقضي على التنوع البيولوجي في منطقة نريدها واحة نكرس من خلالها مفهوم السياحة المستدامة، أو السياحة الخضراء، تسعة عشر عاما مضت، ولم ألقَ اهتماما يرقى إلى ما أطمح إليه وأعمل في سبيله، لكن اليوم، وبعد هذه السنوات الطويلة، تلقيت اتصالا كان بمثابة المفاجأة لي وسرعان ما علمت بأنه من وزير البيئة الجديد الأستاذ فادي جريصاتي، الذي لم يمض على تسلم مهامه أيام قليلة، ليقف على ما أثير مؤخرا بالنسبة لحمى المنصوري وما يتعرض له من تعديات وفاجأني بإطلاعه على ملف الحمى ومتابعته له واهتمامه به".
هكذا تورد الإبل لمن لا يعلم أن قضايا البيئة مقدسة، وهذا ما نعلق عليه آمالا كبير مع الوزير جريصاتي، ونقول له: "نحن معك".