"غدي نيوز"
كتبت غريس الهبر، في جريدة الانباء، عن مقابلة مع الخبير بأسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي، ورئيس تحرير موقع "الثائر"،
اكرم كمال سريوي .
هطل على لبنان وابل من القنابل والصواريخ الفتّاكة، استخدمها العدو الإسرائيلي في القصف على لبنان.. هذه الأسلحة الفتاكة والذكية، ومنها المحرّم دولياً، كان لها أثرها المباشر والفوري باستهداف المدنيين والدمار العمراني الذي أحدثته، بالإضافة إلى التأثير البيئي. لم يبقَ سلاح إلا واستخدمه العدو الإسرائيلي.. من القنابل الفوسفورية إلى القنابل الخارقة للتحصينات والقنابل المدفعية، إلى الطائرات الشبحية المسيّرة إلى الصواريخ والذخائر المتنوعة.
أعلن وقف إطلاق النار، وللأسف ما زال العدو الإسرائيلي يفتك في منازل القرى الجنوبية، فيما عدد الخروقات فحدّث ولا حرج. وفي المقلب الآخر، وبالإضافة إلى الدمار في العمران والبنى التحتية، فإن التلوث الناجم عن الترسانة العسكرية التي ألقيت على لبنان يستدعي تحركاً دولياً ليس فقط للمحاسبة الجنائية والقضائية، لا بل أيضاً وضع خطط عمل لمعالجة الآثار البيئية والصحية الناجمة عنها، لأن ذلك يهدد الأمن الاقتصادي والمائي والصحي والبيئي في لبنان.
السلاح الفتّاك والعمران
الدمار الهائل والمترجم في كثافة عدد الأبنية التي فاقت حرب تموز 2006 بأضعاف، حيث حصل تدمير جماعي لشوارع ومجمعات بأكملها وأبنية ومنازل سُويت أرضاً، كما تضررت أبنية وتعرضت للإصابة من عصف الانفجار.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير في أسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي العقيد المتقاعد أكرم سريوي، إلى أن قوة العصف الناتجة عن انفجار القنابل تشكّل موجة ضغط هائلة، تتحرك بسرعة عالية تفوق سرعة الصوت، وتؤدي إلى دمار كبير في الأبنية المحيطة، بحيث تختلف نسبة الضرر تبعاً لكمية المواد المنفجرة ونوعيتها، وكذلك لنوعية الجدران والخرسانة في المبنى.
وحول المسافة الآمنة عن مركز الانفجار، يفيد سريوي إلى انها تحدد وفقاً لـ"قاعدة 22 إلى 45 ضعفاً مضروبة بالجذر التكعيبي لكمية المتفجرات، وبمعنى أوضح إذا كانت كمية المتفجرات ألف كلغ، فإن المسافة الآمنة تتراوح بحسب متانة البناء بين 220 إلى 450 متراً عن مركز الانفجار".
إلى ذلك، هناك نوعان من مخاطر انفجار القنابل على المباني السكنية، كما يشرح سريوي، وهما فوق الأرض، وتحت الأرض، وذلك بحسب نوع الانفجار، موضحاً أن القنابل التي تنفجر على سطح الأرض، يكون ضررها الاكبر على الابنية، فوق الأرض وتظهر للعين المجردة، على شكل انهيار كامل أو جزئي للبناء أو تشققات وتصدعات في الجدران، أما القذائف الخارقة، فتسبب خلخلة في أساسات البناء، وغالباً يصعب رؤية وتحديد هذه الآثار، وتُقدّر آثار بعض القذائف التي استخدمتها إسرائيل في قصف الضاحية الجنوبية لبيروت وبعض القرى الجنوبية، بما يعادل ارتداد هزة أرضية بقوة 3.6 درجات على مقياس رختر، وهذا أثر كبير يجعل أساسات الابنية المصابة في غالب الأحيان غير صالحة للترميم، وتحتاج إلى إجراء فحص ودراسة دقيقين من قبل المهندسين.
وفي السياق، استخدمت إسرائيل قنابل GPU-28 الأميركية الصنع في قصف لبنان، ويلفت سريوي إلى أنها تصنف من القنابل الفتاكة القادرة على خرق 30 متراً داخل الارض وأكثر من 6 أمتار في الخرسانة، ووفق بعض التقارير فإن اسرائيل استخدمت 85 قنبلة من هذا النوع، وقنابل BLU-109 الترموديناميكية، المخصصة لقتل الأشخاص داخل الأنفاق، عن طريق الحرارة والضغط العاليين، اللذين يولدهما الانفجار، مذكراً بأن إنفجار كل هذه الكمية من القنابل حدث خلال 14 ثانية فقط، مما شكل موجة ضغط عالية جداً، أدت إلى انهيار أحد المجمعات المؤلف من أكثر من ثمانية مباني بكامله دفعة واحدة، واحدثت خلخلة في الأبنية المحيطة.
آثار ومخاطر التلوث بالأسلحة
تسببت الحرب الإسرائيلية بإستشهاد ما يزيد على أربعة الاف شهيد وجرح ما يقارب 17000 جريح، كما أحدثت دماراً هائلاً في القرى والمدن والبنى التحتية. وبالمقابل، الخطر الأكبر والكارثي في النزاعات المسلحة يكمن في التلوث الناجم عن السلاح الذي طال المياه والتربة والهواء.
وفي هذا الإطار، يلفت سريوي إلى أن المركّبات الناتجة عن المتفجرات مثل ثلاثي نترو التولوين، وبقايا آر دي اكس، والفوسفور الأبيض، والمواد الكيميائية الأخرى المستخدمة في القنابل الشديدة الانفجار، والمواد المشعّة، والعوامل البيولوجية، والسواتر الدخانية المصطنعة، تنتشر وتلوث الطبيعة ويمكن أن تضر بصحة الإنسان والبيئة لأجيال عديدة.
ويحذّر سريوي من أن نفايات الحرب قد تبقى لسنوات طويلة بعد المعارك، خصوصاً القنابل العنقودية المحرمة دولياً والتي تستخدمها إسرائيل بكثافة، وكذلك الألغام وقنابل الترموباريك الفتاكة، وهي بدورها كلها تُصّنف مواد سامة ضارة بالبيئة والإنسان، ولا يسهل التخلص منها، خاصة وأن البنية التحتية ومنظومات التعامل مع النفايات بشكل عام، يتم تدميرها أثناء الحرب، مما يسبب تراكم الملوثات لفترات طويلة، وغالبيتها تتسرب إلى مياه الينابيع والانهار والمياه الجوفية.
إلى ذلك، فإن "الأثر الأولي المباشر الخطر"، وفق سريوي يتمثل في "انتقال أبخرة المواد المتفجرة عبر الهواء، واستنشاقها يؤدي إلى ضرر مؤكد بصحة الإنسان، خصوصاً في الجهاز التنفسي، وخفض الجهاز المناعي، وتسمم الدم، ولذلك يُنصح دائماً بالابتعاد عن مكان الانفجار حتى بعد حدوثه، وبتجنب تنشق هذه الغازات، فبعضها خطر جداً ويؤدي إلى أمراض مزمنة ومميتة، ويُفضّل تغطية الانف بقطعة قماش مبللة بالماء حتى الخروج من مكان انتشار الغازات"، على حد تعبيره.
كما يوضح سريوي أنه "من المعروف أنه في قذائف المدفعية والدبابات وبعض القنابل الخارقة، يتم استخدام اليوراينوم المنضّب فيها لزيادة صلابتها وقدرتها على الخرق"، مشيراً إلى أن العدو الإسرائيلي استخدم هذه الانواع في غزة ولبنان، و"عندما تصطدم هذه القذائف بالهدف بشدة، تتفتت مادة اليورانيوم وتُصدر اشعاعات من انواع الفا وبتا وغاما، وهذه الاشعاعات تنتقل بسرعة فائقة ولا رائحة لها ولا لون، ويصعب اكتشافها من دون أجهزة كشف خاصة"، بحسب سريوي.
ويضيف: "عند دخول هذه الإشعاعات إلى جسم الانسان تُعطل عمليات الميتابوليزم، وتقتل الخلايا، ويحتاج الجسم إلى فترات طويلة للتعافي والتخلص من آثارها، مع العلم أن نصف الجرعة المميتة للإنسان العادي تبلغ 400 راد في السنة، وإذا تلقاها دفعة واحدة قد تسبب وفاة فورية".
"ولا يقف خطر المواد المتفجرة عند هذا الحد"، كما يقول سريوي، ويلفت إلى أنه "غالباً لا يتم انفجار كامل الحشوة المتفجرة الموجودة في القذيفة، وهناك نسبة معينة قد تصل إلى 5% منها لا تنفجر وتتحول إلى مادة ملوثة للتربة، مما يعني أنها تتسرب في المياه، وقد تنتقل إلى النباتات، وتتحول المزروعات والثمار إلى وسيلة نقل لهذه المواد السامة إلى جسم الانسان عند تناولها".
ويذّكر سريوي بما حصل بعد انفجار تشرنوبيل، حيث "ظهرت الاشعاعات في لحوم الاغنام في بعض الدول الاوروبية، نتيجة رعي هذه الحيوانات لأعشاب ملوثة بالإشعاعات، على إثر تساقط المطر النووي في تلك الأماكن، بعد أن تقاذفت الرياح الغيمة النووية إلى بلدان عديدة، وبعيدة جداً عن أوكرانيا".
ويختم سريوي: "قد تنتهي الحرب لكن آثارها المؤذية تمتد لسنوات، وغالباً تصعب معالجتها لأكثر من سبب، أولها عدم الوعي والمعرفة بهذه المخاطر، وثانياً غياب الاهتمام الكافي بالتخلص من الآثار السامة للمواد المتفجرة والتلوث الذي تحدثه للبيئة.
القوانين الدولية المتعلقة بالحروب والنزاعات واضحة والعدو الإسرائيلي انتهكها دون أي رادع .. ولكن يبقى التحدي الأكبر في عملية التأهيل ومعالجة الأضرار التي أصابت المنظومة البيئية بكافة عناصرها، وعلى المديين القريب والبعيد، بالإضافة الى الرواسب السامة التي تستهدف الأمن الصحي والاجتماعي.