Tuesday, December 31, 2019
ناشط بيئي لبناني يحوّل منزله إلى مأوى للزواحف
"غدي نيوز"
ما إن فتح رامي خشاب باب غرفته، حتى سمعت فحيحاً قوياً.
قبل الدخول، أشار إلى قفص الأفعى الكبيرة على الجهة اليمنى، إنها "الشامية البيضاء" الأشدّ خطراً بين الأفاعي المقيمة في الغرفة.
وعلى اليسار انتصبت عشرات الأقفاص الزجاجية المجهّزة بالإنارة وبما يلزم لإقامة الزواحف.
وعلى السرير تتمدد سحلية من نوع الإيغوانا وتتعلّق أخرى بإطار النافذة.
بدأ شغف رامي بالأفاعي منذ طفولته، لكنه لا يهوى تربية الزواحف أو الاحتفاظ بها في منزله، بل بالعكس، فهو يحترم خصوصيتها ومساحتها والبيئة التي تعيش فيها.
جميع هذه الحيوانات تمّ إنقاذها وتقيم مؤقتاً في غرفة كانت في السابق غرفة نومه. يعالجها رامي ويهتم بها ويطلقها عندماتكون جاهزة للعودة إلى الطبيعة.
يدرس رامي خشّاب الطب البيطري، لكن خبرته في التعامل وفي معالجة الأفاعي، اكتسبها بمجهوده الشخصي، من خلال الأبحاث والأفلام والوثائقية والحلقات التلفزيونية، كبرنامج الأسترالي ستيف إروين الشهير.
ويقول رامي لـبي بي سي إنّهم لا يتعلمون شيئاً عن الحيوانات البريّة في كلية الطب البيطري، مضيفا "نتعلّم فقط كيف نعالج الماشية والحيوانات الأليفة".
اللمسة الأولى
في سنّ الثالث عشر، لمس للمرة الأولى في حياته أفعى صغيرة صفراء اللون، أحضرها له شبّان من قريته داخل زجاجة. لم يشعر حينها بأي خوف أو عدائية من الأفعى تجاهه، فدفعه الفضول إلى لمسها ووضعها على ذراعه. بعد هذا اللقاء الحميم، قرّر أن يعرف أكثر عن هذا الحيوان، الذي يطارده ويقتله أبناء قريته.
بدأ بالبحث عن معلومات عن الأفاعي من خلال الإنترنت. ثم انتقل إلى الميدان، إذ أصبح يقوم بجولات في البريّة باحثاً عن الأفاعي، ويرسل صورها إلى خبراء ويسألهم عن أسمائها وأنواعها وخصائصها.
ومع الوقت اكتسب خبرةً أكبر في التعامل معها حين يحتاج إلى الإمساك بها أو إنقاذها. وتعلّم تشخيص الإصابة وخطورتها وكيفية معالجتها.
العصا الخاصّة بالتقاط الأفاعي موجودة في الغرفة، يستعملها عند الاضطرار، يصرّ على أنّ ما يفعله دقيق وخطير ولا يمكن لأي كان التعامل مع الأفاعي.
لغة الأفاعي
يطمئن رامي الزائر عند سماعه فحيح الأفاعي مع الاقتراب منها أو من الغرفة، خاصّة تلك العدائية بينها، هي لغة الإنذار الخاصة بها لمن يقتحم مساحتها او مكانها.
يشرح رامي في لقائه مع فريق "بي بي سي"، كيف يدرك مزاج الأفعى من خلال لغة الجسد، ومتى تكون خائفة أو غير مرتاحة، ومتى تستعد للهجوم ومتى تكون مطمئنة.
وخلال الحديث، أخرج أفعى صغيرة متوسطة السمّ، كانت ودودة معه كأنها تألفه. واقترب من أفعى "البوا" العملاقة، فاقتربت بدورها من الباب بهدوء وفسّر رامي سلوكها على أنه مجرد فضول.
تغيير المفاهيم الخاطئة
يرى رامي أن أهم أسباب انخفاض عدد الأفاعي في لبنان هو التوسّع العمراني، بالإضافة إلى عامل القتل بسبب انتشار المفاهيم الخاطئة والجهل.
فالأفعى تصوّر على أنها كائن سامّ وقاتل.
ويقول رامي: "لا يعلم الناس أن أغلب الأفاعي في لبنان غير سامّة وغير مؤذية"، وأنها حين تقترب من المنازل، فإنها إنما تبحث عن الدفء أو عن الظلّ، فيرتبك الناس حين يرونها.
ويؤكد أن "الأفاعي السامّة تستعمل السمّ كسلاح أخير، فهي تحتاجه للدفاع عن حياتها ولقتل فريستها، فلن تستغني عنه بسهولة".
ومن التصرفات الخاطئة التي تنتشر اليوم بكثرة، استقدام الأفاعي، الزواحف والسحالي من الخارج، من موطنها الأصلي، لتربيتها في المنازل.
وهذا ما حصل مع ذكري الإيغوانا المقيمين في منزله، أحدهما توقفّ عن النمو بسبب سوء التغذية.
ويقول خشاب: "لا يعلم الناس كم هو صعب ودقيق الاهتمام والتعامل مع الزواحف، لذا يتم الاستغناء عنها بعد وقت قصير من شرائها". الأمر ذاته يحصل مع الأفاعي، خاصة تلك التي يتم شرائها من خارج لبنان.
أسّس رامي وأصدقاؤه المهتمون بحماية الحياة البريّة في لبنان، جمعية "ليبانيز وايلدلايف"، مهمّتها إنقاذ الحيوانات البرية من الاستغلال والقتل وإعادتها إلى الطبيعة.
ويقوم فريق العمل بمداواة الحيوانات الجريحة وخاصة الطيور الجارحة التي يتم صيدها.
لكن الجمعية استطاعت أيضاً إنقاذ حيوانات كالذئاب، والثعالب، وبنات آ وى والضباع، وهي حيوانات مهدّدة أيضاً بالانقراض.
والجزء الثاني من مهمّة الجمعية هو نشر التوعية بين الناس عن أهميّة التنوّع البيولوجي في لبنان وأهمية المحافظة على التنوّع البيئي. وزار رامي أكثر من مرة المدارس وسمح للأطفال بالاقتراب ولمس الأفاعي، لكسر الخوف من جهة ولتقديم المعلومات عن الأنواع غير المؤذية منها. يذكر أن الإيغوانا تكثر في أميركا الوسطى والجنوبية.
هل العالم بحاجة إلى الأفاعي؟
يذكّر رامي بفائدة سموم الأفاعي لانتاج الأدوية والعلاجات الطبية، لذا أصبح رسم الأفعى شعاراً لمهنة الصيدلة.
ومن جانب آخر يقول إن الأفاعي تلعب دورا مهما في السيطرة على عدد القوارض، لأن عدد الولادات لدى الأخيرة مرتفع جداً، فتساهم الأفاعي بخفض أعدادها.
ويؤكد أنه "على المزارعين الذي يشكون من القوارض تجنب قتل الأفاعي".
ونشر موقع "وست فرانس" مقالاً عن بداية انقراض الأفاعي وسط صمت تام وعدم اهتمام، لأنها مخلوقات غير مرغوب بها.
وذكر الموقع أن التغيير المناخي هو سبب من أسباب انقراضها. ويصف رامي الأفعى ب"الحيوان المتطور" لأنها استطاعت الصمود في هذا العالم رغم أنها لا تملك أقداماً.
اكتشاف التنوع البيولوجي في لبنان
إلى جانب إنقاذ الحيوانات البرية، يعمل رامي منذ عشر سنوات متطوعاً مع فريق حماية الشاطئ حيث تضع السلاحف البحرية بيوضها.
وفي طفولته، سحره مشهد خروج السلاحف البحرية الصغيرة من حفرها وتوجهها إلى مياه البحر، على شاطئ قريته في جنوب لبنان. حينها تعرّف رامي على منى خليل، الناشطة المهتمة بحماية السلاحف البحرية وبدأ بالعمل ضمن فريقها حين سنحت له الفرصة.
ومن خلال عمله مع "ليبانيز وايلدلايف"، يتعرّف رامي وأصدقاؤه على العديد من الحيوانات التي تعكس التوع البيولوجي في لبنان. ففي هذه الغرفة الصغيرة، أنواع متعددة من الأفاعي المحليّة الموجودة في لبنان، وسوريا وفلسطين، والتي تختلف تسميتها بحسب اللهجة المحلية.
ومن هذه الحيوانات الأفعى البيضاء الشامية (Blunt nosed viper)، وأفعى الفئران (Eastern Montpellier snake)، وأفعى فلسطين (Palestinian Viper) والتي يخلط الناس بينها وبين أفعى عقدة الجوز المحلية الشهيرة.
ويستطرد رامي ليتحدث عن أفعى الجبل اللبنانية (Lebanon mountain viper) المهدّدة بسبب انحسار المساحات الجبلية التي تعيش فيها.
سحلية "أبو قرع" (sheltopusik) هي مثال على هذا التنوع، فالناس تخلط بينها وبين الأفاعي، لأنها لا تملك أقداماً وتشبه الأفاعي الضخمة.
ويعمد الناس إلى قتلها، ولكن رامي وأصدقائه يحاولون، عبر الندوات وعبر نشر هذه المعلومة على وسائل التواصل الاجتماعي، تعريف الناس على هذه السحلية في محاولة لاقناعهم بتغيير سلوكهم تجاهها.
المصدر: بي بي سي - بيروت - محمد همدر
| قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن |