الشتاء اللبناني في خطر... كيف يُغيّر التغيّر المناخي وجه الطقس؟

Ghadi news

Friday, February 7, 2025

الشتاء اللبناني في خطر... كيف يُغيّر التغيّر المناخي وجه الطقس؟

"غدي نيوز"


يشهد لبنان هذا العام تغيرات مناخية غير مسبوقة، لم تعد مجرد ظاهرة عابرة، بل إشارة واضحة إلى تحولات أعمق قد تكون أكثر تعقيدًا مما نتوقع. فالطقس الدافئ والجاف، الذي بات أقرب إلى أجواء الربيع منه إلى برد الشتاء، يثير تساؤلات جدّية حول ما إذا كان هذا التغير انعكاسًا مباشرًا لظاهرة الاحتباس الحراري و التغير المناخي الذي يجتاح العالم، أم أنه مجرد استثناء في سنة غير اعتيادية. لكن المؤشرات العلمية تؤكد أن لبنان، شأنه شأن بقية دول المنطقة، يتأثر بشكل متزايد بهذه التحولات، ما يجعل السنوات المقبلة مرشحة لمزيد من التقلبات الحادة وانعدام الاستقرار في أنماط الطقس.

بعد طول انتظار، وصلت العاصفة "أسيل" محمّلةً بالأمطار والثلوج، لكن فرحة اللبنانيين بها لن تدوم طويلًا، إذ تشير التوقعات إلى أنها ستكون سريعة وعابرة، تمامًا كما بات حال الشتاء في لبنان. فبعد أسابيع من طقس دافئ وجاف، يفرض السؤال نفسه: هل ما نشهده هذا العام مجرد استثناء، أم أننا أمام واقع مناخي جديد لم يعد قابلاً للإنكار؟

انخفاض قياسي في معدلات هطول الأمطار

يعيش لبنان هذا العام أحد أفقر مواسمه الشتوية من حيث كميات الأمطار والثلوج، حيث لم تتجاوز كمية الأمطار المتساقطة منذ بداية الشتاء 15 ملم، مقارنةً بالمعدل السنوي الطبيعي البالغ 190 ملم. هذا التراجع الحاد في الهطول جعل شهر كانون الثاني يبدو وكأنه شهر أيار، إذ لم تشهد المناطق اللبنانية الفترات المعتادة من الأمطار الغزيرة، ولا حتى موجات الصقيع والثلوج التي تميز هذا الوقت من السنة.

يُعدّ القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثرًا بهذه الظاهرة، إذ تعتمد الزراعة اللبنانية بشكل أساسي على مياه الأمطار لتغذية التربة وريّ المحاصيل. ومع انخفاض كمية الهطول إلى مستويات مقلقة، تواجه المحاصيل الشتوية خطر الذبول، فيما تعاني الأشجار المثمرة من نقص في الرطوبة اللازمة لدورة نموها الطبيعية. هذا الوضع يهدد الإنتاج الزراعي المحلي ويضع المزارعين أمام خسائر كبيرة، خاصةً مع ارتفاع تكلفة الري الاصطناعي الذي أصبح ضرورة ملحّة لتعويض شح المياه.

إلى جانب تداعياته على الزراعة، فإنّ انخفاض معدل الأمطار يفاقم أزمة المياه التي يعاني منها لبنان أصلًا. فالمياه الجوفية والينابيع التي تشكل المصدر الأساسي لمياه الشرب تتغذى بشكل مباشر من الهطولات الشتوية، وبالتالي فإنّ أي انخفاض في كمية الأمطار ينعكس على منسوب هذه الموارد. ومع استمرار الجفاف، قد يجد اللبنانيون أنفسهم أمام نقص حاد في مياه الشرب خلال الأشهر المقبلة، الأمر الذي قد يفرض مزيدًا من الضغوط على البنية التحتية للمياه ويؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

زيادة مخاطر الفيضانات

رغم قلة الأمطار هذا العام، فإن خطر الفيضانات لا يزال قائما، خاصة في مناطق شمال لبنان التي لطالما عانت من بنية تحتية هشة ومشاكل تصريف المياه. فعندما تجف التربة لفترات طويلة نتيجة قلة الأمطار، تفقد تدريجيًا قدرتها على امتصاص المياه بشكل فعال. فالتربة الرطبة تمتص المياه بسرعة وتساعد في تصريفها تدريجيًا إلى الطبقات الجوفية، بينما التربة القاحلة والمتصلبة لا تتمكن من امتصاص كميات كبيرة من المياه دفعة واحدة، مما يؤدي إلى جريان سطحي سريع للمياه بدلاً من تسربها إلى باطن الأرض. وبالتالي، عند هطول أمطار غزيرة مفاجئة، كما هو متوقع في ظل التقلبات المناخية، تصبح الأرض غير قادرة على استيعابها، مما يسبب تشكل سيول جارفة في وقت قياسي.

إلى ذلك، تعاني مناطق شمال لبنان، خاصة المدن والقرى القريبة من الأودية والأنهار، من بنية تحتية غير مجهزة للتعامل مع تغيرات الطقس المفاجئة. فشبكات التصريف المتهالكة، والمجاري المسدودة، وعدم وجود أنظمة فعالة للتحكم في تدفق المياه، كلها عوامل تزيد من احتمالية حدوث فيضانات عند تساقط أمطار كثيفة في فترة قصيرة. هذا الوضع يجعل المناطق المنخفضة أكثر عرضة لغرق الطرقات، وانجراف التربة، وحتى انزلاقات أرضية قد تؤدي إلى أضرار كارثية في الممتلكات والبنية التحتية.

التغير المناخي في لبنان والشرق الأوسط

يشهد لبنان تغيرات مناخية واضحة لم تعد مجرد استثناءات عابرة، بل أصبحت جزءًا من نمط جديد يغيّر الفصول التقليدية التي اعتاد عليها اللبنانيون. فبعدما كان الشتاء يتميز بهطول منتظم للأمطار والثلوج، أصبح يشهد موجات جفاف طويلة تتخللها أمطار غزيرة مفاجئة. هذه الفترات المتطرفة من الجفاف والأمطار هي إحدى نتائج التغير المناخي، حيث باتت أنماط الطقس غير مستقرة، تميل إلى إما ندرة الأمطار أو هطولها بكميات كبيرة في وقت قصير جدًا.

هذه الظاهرة ليست حكرا على لبنان، بل تمتد إلى معظم دول الشرق الأوسط، التي تشهد تحولات مناخية متسارعة تجعل الطقس أكثر تطرفًا. تعد هذه المنطقة من بين الأكثر عرضة للتغير المناخي عالميًا، حيث يؤدي الاحتباس الحراري والانبعاثات المتزايدة إلى تغييرات في التيارات الهوائية وأنظمة الضغط الجوي، مما يؤثر بشكل مباشر على توزيع الأمطار ودرجات الحرارة. والنتيجة هي مواسم شتاء غير منتظمة: فإما أن تأتي قليلة المطر كما هو الحال هذا العام، أو أن تشهد أمطارًا كثيفة خلال أيام معدودة، مما يزيد من مخاطر الفيضانات.

أخيراً، إن التغير المناخي لم يعد مجرد نظرية أو تحذير مستقبلي، بل أصبح واقعا ملموسا يفرض تحديات جديدة على لبنان. ومع كل عام يمر، تزداد حدة التقلبات المناخية، مما يجعل الحاجة إلى استراتيجيات وقائية فعالة أكثر إلحاحا. فالتعامل مع هذه الظواهر لم يعد خيارا، بل ضرورة لحماية الناس والممتلكات، وضمان مستقبل أكثر أمانًا، في ظل بيئة مناخية متغيرة وغير مستقرة.


المصدر: الديار
الكاتب: شانتال عاصي

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن