"غدي نيوز"
رغم قابلية المعادن للتطويع والصهر، فإنها سرعان ما تعود لشكلها الأصلي في حالة تبريدها أو تسخينها. لذا يطلق عليها اسم "معادن ذات ذاكرة". ويكثر استخدام تلك المعادن خصوصا في المجالات الطبية والإبداعية للمصممين والمخترعين.
تناولت سفيتلانا فون غراتوفسكي "الزنبلك" (الزنبلك هو جهاز مرن يستخدم لتخزين الطاقة الميكانيكية) من فوق الطاولة، وشدته من طرفيه ليصبح مستقيماً. لو كان هذا "الزنبلك" مصنوع من معدن ذي ذاكرة، لأصبح من المستحيل إعادته لشكله الأول. كل ما قامت به الباحثة الفيزيائية من مدينة دورتمند، هو تسخين الزنبلك الممدود بين كفيها ليعود بسرعة إلى شكله الزنبلكي".
يذكر أن الزنبلك يصنع من معدني النيكل والتيتان. ويعلق المهندس بيورن زنف من معهد فراونهوفر للتعدين والماكينات في درسدن أن الصناعات المرتبطة بالزنبلكات "تناسب طبيعة كل من النيكل والتيتان". ويطور المهندس منتجات طبية، تعتمد على "المعادن ذات الذاكرة".
مسامير حرارية للعظام
يسترسل زنف في تعداد الاستخدامات الطبية الممكنة للمعادن ذات الذاكرة، فيقول: "مثلاً على صعيد جراحة العظام، من الأفضل زراعة المسامير المصنعة من معادن ذات ذاكرة، فهي تسمح باختيار الوضعية المناسبة". وهي أشبه بطرق مسمار في الحائط دون تثبيته ببرغي، ليلعب دور تثبيت الجسد ودرجة حرارته. وقد صممت الأجسام المثبتة لتناسب اللوائح العظمية عند بلوغ درجة حرارة الجسم 37 درجة حرارية.
من نفس المنطلق طورت سفيلتانا فون غراتوفسكي وزميلها فيكتور كوليدوف أسناناً قابلة لزراعتها في الفم، صنعت جذورها من معادن ذات ذاكرة. وما إن تتم زراعة هذه الأسنان في الفم، حتى تتشكل جذور الأسنان بالشكل المناسب في الفك. كما تتميز هذه الأسنان الصناعية بمشابهتها للطبيعية في المرونة والقدرة على التماشي مع مختلف درجات الضغط عليها أثناء المضغ.
زراعة أنسجة داعمة و أوعية دموية
تكثر استخدامات هذه المعادن في المجال الطبي بسبب تميزها بطبيعتها الحرارية ومرونتها. فمثلاً تم تطوير أنسجة هجينة من خليط معادن ذات ذاكرة ومن أنسجة أخرى، حيث يتغير شكلها عند الحاجة، لكنها تعود نهاية الأمر إلى شكلها الأصلي. وتستخدم هذه الأنسجة من قبل مقومي العظام، في حالات الأطراف المجبرة كالركبة والأقدام.
كما يناسب مزيج معدني بين النيكل والتيتان لزراعة الأوعية الدموية. وبسبب مرونته طور الباحثون في جامعة "رور أونيفرستيت بوخم" نسيجا داعما تشبه مرونته مرونة الشريان. وسيستخدم هذا النسيج لفتح ما يحصل من انسداد في الأوعية الدموية.
ورغم ميزات هذه المعادن وتعدد استخداماتها، فإن ذلك يتطلب دقة متناهية في التصنيع، وفقاً للباحث زنف الذي يضيف قائلا:" لا بد من مراقبة توافق النيكل بالتيتان بشكل دقيق للغاية".
بديل عن المغناطيس الإلكتروني
تغيير مستوى نسبة النيكل ولو بمقدار ضئيل، يغير من درجة حرارة التفاعل بشكل هائل. لكن هذا التغيير يصب في جعل هذا الخليط حلاً مذهلاً في مجال تصنيع الآلات وبنائها، ليصبح بديلاً للمغناطيس الكهربائي. فوصل الكهرباء به يؤدي إلى تحفيز تفاعلات المعدن ذي طبيعة حرارية، حيث يمكن استخدامه لفتح أو إغلاق قفل أو باب أو صمام.
وبهدف توفير درجة أعلى من الضمانات الأمنية، قام باحثو معهد فراوهوفر باستخدام هذا الخليط من المعادن ذات الذاكرة في أقنعة الأكسجين المتوفرة على متن الطائرة. فمن الممكن استخدام هذا الخليط في المستقبل لتفعيل هبوط هذه الأقنعة من سقف الطائرة للمسافر، عبر مجسات حرارية.
تتميز هذه الطريقة عن غيرها في إنزال أقنعة الأوكسجين بأن عدد أجهزتها أقل، ويمكن تعويضها سريعا عند التلف. كما إن تقنيتها أقل وزناً ومساحة واستخداما للكهرباء، مقارنة بالمغناطيس الكهربائي.
وحتى في صناعة يد الإنسان الآلي التي أنتجها الدارسون من معدني النيكل والتيتان تعمل الزنبلكات المصنعة من هذه المواد مثل اليد البشرية. وبفضل رصد درجة الحرارة، تمكن الباحثون من تحريك أصابع هذه اليد. كما تتحكم اليد في مستوى الضغط الذي تمارسه.
وقد سبق لفريق الباحثين المكون من كوليدوف وغراتكوفسكي من مدينة دورتموند أن أبدعوا في بحوثات أخرى صغيرة، مثل تصميم لاقط نانوي من النيكل والتيتان من خلال ليزر عالي الدقة، بحيث يتم فتح وغلق طرفيه تبعاً لدرجات الحرارة التي يتم التعرض لها. وتمكن الباحثون مثلا من قطع شعيرات الحشرات وإلصاقها مرة ثانية باستخدام هذا اللاقط.
بتصرف عن D.W