لم يحظَ "الحنبلاس" أو "حب الآس" باهتمام يوازي قيمته البيئية والاقتصادية والصحية، ما أبقى هذه الشجيرات البرية ضمن دائرة العبث والاهمال، حتى "المدجّن" منه ظل بعيدا عن الرعاية، يقتصر وجوده على شجيرة واحدة أمام بعض المنازل في القرى الجبلية، وهي في الغالب شجيرة معمرة ترقى الى خمسين سنة وأكثر، ذلك أن زراعة "الحنبلاس" لم يقبل المزارعون على تجديدها كنوع من الزراعات الاساسية، لذلك، لا تسوق من ثماره في الاسواق المحلية إلا كميات قليلة جدا، بسبب صعوبة قطاف ثماره الصغيرة البيضاء من جهة، وقلة المردود المالي التي يجنيها المواطنون من عمليات التسويق من جهة ثانية.
"نبيع الفائض كي لا يتلف على الاشجار وبأسعار أقل من كلفة قطافه"، يقول المزارع فادي الاعور، ويضيف: "نعرف أهمية (الحنبلاس) لكن لا مجال للاستفادة منها اقتصاديا".
لكن ثمة مشكلة تضع "الحنبلاس" على قائمة الناباتات المعرضة للانقراض في لبنان، وهي متمثلة بالاقبال على أغصانه وقطفها وبيعها لمحال الزهور، إذ قلما نجد باقة أزهار منسقة دون أغصان "الحنبلاس" الخضراء، خصوصاً وأن هذه الشجيرات تتميز بأنها دائمة الخضرة وأغصانها ووريقاتها تفوح منها رائحة عطرية، ومن هنا يعرف في لبنان باسم آخر هو "الريحان"، وان كان "الريحان" في الموسوعات النباتية لا يمت بصلة الى "حب الآس" المعروف، واذا ما بحثنا في المراجع العلمية نجد أن "الحنبلاس" له مسميات كثيرة، ففي بلاد الشام تعرف ثماره بـ "الحبلاس" أو "حب الآس" وفي مصر وتركيا بـ "الميريسين" وفي اليمن وجنوب الجزيرة العربية بــ "الهدس"، وفي بعض بلاد المغرب العربي بــ "الحلموش" أو "هلموش" و"مرد" و"احمام"، وفي عمان تعرف بـ "الياس"... الخ
أبو سعيد
الخبيرة في الانتاج الزراعي الدكتورة ديانا مروش أبي سعيد قالت لـ "السفير" أن "حب الآس من الفصيلة الآسية واسمه العلمي Myrtus باللاتينية"، مضيفة "هو نبات قديم اشتهر كثيرا لدى الفراعنة واليونانيين القدماء ووجدت رسوم لفروعه على جدران المقابر الفرعونية"، وتقول: "حب الآس مهدد بالانقراض ليس في لبنان وحسب، فهناك انواع منه مهددة بالانقراض في الجزائر، وهو موجود في اوروبا واميركا ويستخدم كثيرا كسياج نباتي للجنائن، فشجيرات الآس تستخدم في عمل الأسيجة والفواصل للحدائق الخاصة والعامة والدور السكنية، حيث يتم تنظيم وتشكيل تلك الشجيرات بقص أغصانها على شكل محدد جميل، وفي العراق صيفاً يتم رش تلك الشجيرات بالماء لترطيب الجو الحار وكسر حدته".
وتقول "في أميركا يستخدم كسياج للاراضي الزراعية لان الغزلان والارانب لا تحبه وتنأى عنه".
وعن أهميته البيئية تقول أبو سعيد: "(حب الآس) يمتص الغبار وثاني اوكسيد الكربون وسائر الملوثات، فضلاً عن أنه يتحمل الملح فهو يتكاثر قرب البحار لمقاومته للملوحة"، وتشير إلى أن "إنباته سهل فضلاً عن أن العصافير والوطاويط تساهم في نشر بذاره، ويمكن اعتماده كنوع من الزراعات البديلة".
الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى
تجدر الاشارة الى ان "الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى" كانت اول من دق ناقوس الخطر حيال ما يتعرض له "حب الآس" من تعديات وعمليات قطف جائر لاغصانه، رئيس الجمعية الباحث عبد الناصر المصري، قال: "(حب الآس) نبتة برية عبارة شجيرات دائمة الخضرة، ثمارها البرية أصغر من ثمار (حب الآس) المدجن، رائحتها مميزة، وكنحالين نعتبر (حب الآس) من النباتات البرية العاسلة التي تدخل في تركيب العسل اللبناني، وهو موجود في مختلف المناطق ولا سيما في المناطق الرملية (الشحارية)، والمناطق الغنية بالمياه".
وأضاف: "من 15 سنة حركنا موضوع قطع النباتات البرية العطرية والطبية والرحيقية، ونتيجة لذلك صدر قرار وقتذاك عن وزارة الزراعة يقضي بعدم قطع هذه النباتات الا للحاجة المنزلية الخاصة وليس بقصد التجارة، لكن هذا القرار عمليا لا ينفذ وليس ثمة متابعة من قبل الجهات المعنية، إذ تقوم مجموعات تعتاش على قطع أغصان حب الآس وبيعها لمحلات الزهور حتى من دون اذن اصحاب الاملاك"، ولفت إلى أنه "يمكن أن يكون هناك توازن بين حاجة الناس والحفاظ على تجدد الشجيرات، لكن للاسف هناك استباحة وعمليات قطع جائرة، في وقت بإمكاننا أن نقطع منها ضمن شروط معينة لا تؤدي الى انقراضها، وفي الوقت عينه يستفيد النحال، شرط ألا تؤدي عمليات القطع الى اليباس وإنما إلى تجددها، وبعد مرحلة الازهار يمكن قطع كميات من الاغصان شرط ان تتم عبر مهندسين زراعيين تبعا لدراسات دقيقة، وعلى وزارة الزراعة ان تصدر نشرات تحدد الفترة الامثل للقطع بشكل لا يحول دون تجدد الشجيرات وتكون مصدر افادة للنحال والمواطن والبيئة الطبيعية".
وناشد المصري "وزارتي البيئة والزراعة تفعيل المراقبة والمحاسبة والاستفادة من هذه حب الآس بما يحول دون انقراضه"، متسائلاً: "من يحمي ايضا الاملاك الخاصة حيث هناك استباحة لاملاك المواطنين".
وقال: "يتميز حب الآس بأزهاره عاسلة التي تميز العسل اللبناني وتزيد من جودته وقيمته الغذائية، إضافة إلى أنها مصدر غني بحبوب اللقاح لان النحلة لا يمكن تربية حضنة النحل من دون حبوب اللقاح المصدر البروتيني الطبيعي، ويمكننا أن نأخذ قسما من حبوب اللقاح والافادة من قيمتها الغذائية الكبيرة".
اليد الخضراء
رئيس "جمعية اليد الخضراء" زاهر رضوان، قال: "في اطار مشروع الجمعية الهادف الى تشجيع الزراعات البديلة ولا سيما منها الطبية والعطرية، قمنا بتجربة حول (حب الآس) وزرعنا حوالي 500 غرسة قمنا بتوزيعها في الجنوب على بعض المزارعين، وعمدنا الى زراعة نوعين من (حب الآس) ذي الثمر الابيض وذي الثمر الاسود، وننتظر الوصول إلى مرحلة الانتاج لتشجيع المزارعين وتثقيفهم على بيع الورق وبيع الثمار، فضلاً عن اننا قمنا بتجربة علمية بالتنسيق مع مختبر جامعة بيروت العربية لانتاج زيت الآس، وكانت نوعية الزيت الممتازة ضمن مواصفات عالية، يستخدم في صناعة المواد الطبية والتجميلية".
واضاف: "الآن نقوم بدراسات لمعرفة كيف يمكن تسويق زيت الآس، وكيفية وايجاد اسواق خارجية لربط الانتاج المحلي بها، وهذا يتيح لنا تشجيع المزارعين أكثر وتأمين تسويق الانتاج، ويساعدنا تالياً على المساهمة في نشر زراعة حب الآس على نطاق واسع".
وأردف رضوان: "هذا مشروع حيوي ومهم جدا، خصوصا اذا علمنا أن الأجزاء المستعملة من نبات الآس هي الأوراق والثمار والزيوت الطيارة، فالاوراق تحتوي على زيت طيار، من أهم مكوناته الـ سينيول (Cineol) والفاباينتن (alpha-pinene) ومايرتينول (Myrtenail) ومايرتينابل اسيتيت (Myrtenylacetate) وليمونين (Limonene) والفاتربينول (alpha terpineol) وجيرانيول (geraniol) وجيرانايل اسيتيت (geranylacetate)، ومايرتيل Myrtle. كما تحتوي على مواد عفصية وأهمها غاللوتنين (Gallotannins) وعفص مركز (Condenced tannins)".
بين القطع العشوائي والجائر لأغصان "الحنبلاس" وأهميته البيئية والغذائية والصحية، يبقى ثمة سؤال: كيف يمكن الافادة منه كثروة طبيعية من الورق الى الثمار الى الزيوت الطبية والعطرية المستخرجة منه؟ السؤال يبقى برسم الجهات المعنية، خصوصا وأن المطروح حالياً اجراءات رادعة تبقي "الجنبلاس" بعيدا من الانقراض.