"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
بالعودة إلى الفلسفات الشرقية وبالتحديد مبدأ "الكارما" فكل ما تفعله يرتد عليك، وهو أقل بكثير مما فعله بحرنا ونهر الكلب في لبنان، فقد أعاد النذر اليسير مما رميناه على جوانب الأنهر وجمعناه في مطامر على شاطئنا المتوسطي، وما يقوم به مدمرو الجبال من تجاوزات على ضفتي نهر الكلب وغيره من الأنهر، وما ترميه البلديات من نفايات ومخلفات، وما تسببت به العواصف من أضرار طاولت "كواسر الموج" في المطامر الشاطئية، يمثل إطارا فاضحا لسياسة الدولة وهي تمارس التعمية، لتمرير صفقات أبعد ما تكون عن البيئة واحترام مكوناتها، تربة وهواء وماء.
في لبنان أيضا، وبالرغم من الجهود والتي تعتبر متواضعة أمام التدمير الحاصل، من زراعة للغراس وحملات التشجير وجمع النفايات عن الشواطئ، وغيرها من الحملات التي يقوم بها المجتمع المدني وأحيانا الجهات الرسمية، نجد أن الكفة ترجح لناحية التخريب وفي كل مكان، فلم تعد جبالنا وودياننا تكللها الأشجار، بل مكبات ومحارق عشوائية في كل قرية وبلدة، وتغاض وإهمال من المسؤولين وتنفيعات للمريدين وحلول مجتزأة، على حساب حلول متكاملة ومستدامة.
المخلفات الصلبة والسائلة
وقد نُشر شريط فيديو على موقع التواصل الإجتماعي وبالتحديد على مجموعة البحر اللبناني من قبل مواطن يدعى Surfcasting Sams، يظهر نفايات مجمعة على جانبي نهر عقب أول فيضان للمياه بعد الأمطار والتي كانت مجمعة بالأودية لتصل إلى البحر.
وقال الخبير في التنمية المستدامة المهندس عباس زهر الدين من "مجموعة معرفة" لـ ghadinews.net: "هذه الأزمة في نهر الكلب وسائر الأنهر اللبنانية ليست طارئة، بل هي تتجدد كل مرة، ويتناوب (الشباب الطيب) من ناشطين وحقوقيين وبيئيين وخبراء، للتصويب باتجاه أزمة النفايات، واعتبارها السبب الرئيسي بتلوث البحر، متجاهلين المخلفات السائلة والغازية، حيث أن بعض الناشطين وللأسف ليسوا خبراء يركزون على النفايات الصلبة والمنزلية تحديداً، وقد يكون السبب أن المخلفات السائلة لا تجلب الأصوات، خصوصا في حمى الإنتخابات النيابية القادمة، وحبذا لو سار المسؤولون شمال شاطىء الرمال الذي تجمعت عليه النفايات، وتحديدا قرب مصب للنفايات الكيميائية في البحر مباشرة، وأعني معامل التحويلات الصناعية ومعمل الزوق، وغيرها من مصبات المياه المبتذلة، وهذه شبيهة بالمجارير على طول الشاطئ اللبناني لرأوا العجب".
مجرى نهر الغدير
وأضاف: "أعود للتذكير بموضوع مجرى نهر الغدير، وقد رأى الخبير البيئي الفرنسي الذي استقدمته وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار (خلال أزمة طيور النورس) هنري ميليتHenri Millet من مكتب SOCOTEC في تقريره حول نهر الغدير، وكان وقتها قد استخدم لمعاينة الموقع وبالتحديد حول هجمة طيور النورس قرب مطار رفيق الحريري الدولي، أن الأسباب عديدة منها، أساسية، أي ما يتم رميه من مخلفات صلبة وسائلة في مجرى نهر الغدير، وليس مطمر الكوستابرافا السبب الأوحد في جذب هذه الطيور، وذلك بسبب وجود حركة دائمة في الموقع، فضلا عن رش الرمول عليها واستخدام منفرات للطيور، فلم يعد المطمر السبب الأساس، وطالب الخبير الفرنسي بضرورة معالجة مشكلة المياه المبتذلة في مجرى نهر الغدير، وتجفيف نقاط تجمع المياه في محيط المطار وعدم قص العشب منعا لتوفير مناطق جاذبة للطيور، فضلا عن تجهيز المطار بمعدات صوتية وضوئية واستقدام أشخاص بدوام كامل، في المطار، يكونون مدربين ومجهزين بما يلزم لطرد الطيور، خصوصا عند إقلاع وهبوط الطائرات، أسوة بالمطارات المعرضة لخطر الطيور، وكانت هذه فرصة ذهبية للمطالبة بتشغيل وتفعيل محطة الصرف الصحي في منطقة نهر الغدير والمحطات الموجودة في مناطق عدة من لبنان".
وأشار زهرالدين إلى أن "الحل هو بالمعالجة المتكاملة المتمثلة بالمنهجية العنقودية لمعالجة النفايات، فلا يكفي الفرز من المصدر وإعادة التدوير وإعادة الإستعمال للمواد في حل المشكلة فحسب، خصوصا في ظل عدم النضوج التوعوي والإلتزام الإيجابي من المواطنين، وهذا الأمر ليس مقتصرا على لبنان فحسب، بل إن عملية الفرز من المصدر لا يتقيد بها المواطنين من بلاد أخرى، وأعطي مثلا مدينة برشلونة، التي يعود إليها الخبراء دوما بالتذكير بالإتفاقيات الدولية المعقودة، فالحل المتكامل هو بالحلول السابقة، فضلا عن وجود المطامر الصحية المراقبة بصورة نوعية، والمحارق التي يتم اعتمادها بناء على آراء مختصين لا بناءً على تنفيعات وصفقات للمريدين، خصوصا وأن النفايات لدينا ليست (طازجة) لذا يتوجب التعامل معها بالطرق التي ذكرت والمتبعة عالميا في كل البلدان".
مساحات إضافية
وقال زهرالدين: "أعود للتذكير أيضا بما توجهت به للعديد من الناشطين، بأن من الأسهل بالنسبة للمسؤولين إقفال المطار على إقفال مطمر (الكوستابرافا)، بل وقلت أيضا بأن الحكومة لن تكتفي بمطمري برج حمود والجديدة، بل ستمتد المطامر وقد يناهز عددها العشرة، ولا يجب أن ننسى جبل النورماندي ومارينا الضبية، فالهدف مساحات إضافية ذات قيمة مادية ضخمة، فالجميع (مبسوط) بالمساحات التي ربحتها البلديات وكيف تخلصت برج حمود من جبل النفايات، وقلت وقتها وأعيد مبروك سلف تفريخ أراضٍ ومساحات جديدة. وقد تناهز مساحة لبنان الـ 10452 إلى عدة كيلومترات إضافية".
وتابع: "هناك تلوث مستمر، عضوي ونفطي وزيتي وكيميائي وسام، من المجارير والمصانع والمصافي ...الخ، تلوث مثبت بدراسات حول الشاطئ والمياه، بوجود معادن ثقيلة (كادميوم وغيره)، وقبل ذلك بكثير من مناقصات 2016 من مشاريع الردم وطمر النفايات، فهذه المناطق منكوبة بيئياً، والسبب النفايات السائلة المبتذلة وعصارة ونفايات صناعية ونفطية مع حمأتها بالأمتار تحت المياه أو كوكتيل من المواد السامة العضوية والكيميائية المختلفة ترشح نحو البحر بكميات كبيرة ملوثة التربة والكائنات الحية المائية والنهرية، فضلا عن الزراعات على جانبي الأنهر المختلفة، وتلوثها بكافة الملوثات الكيميائية والعضوية المختلفة ووصولها إلى أجساد المواطنين فضلا عن تدمير الثروة السمكية، ويجب ألا نقلل من خطورة التلوث بالمخلفات البلاستيكية على المدى البعيد، لكن التعامل معها أسهل لأن جمعها والتعامل معها ليس بصعوبة معالجة ما ترميه المصانع والمعامل والبشر من مخلفات كيميائية وعضوية ومبيدات".
أزمة شاطئ الرمال
وعن أزمة شاطئ الرمال، ذكر زهرالدين "ببالات نهر الكلب من النفايات نتيجة الأمطار"، وأنها ليست طارئة، والتي ظهرت على جانبي النهر في شريط الفيديو المعروض، قائلا: "هذه القصة تتكرر وهناك مصادر علمية تطبيقية موثقة، وحصلت قبل مناقصات المطامر 2016، ولا تقل خطورة عن نفايات أي مطمر أو مكب، وفي هذا المجال لا نستثني مطامر الجديدة وبرج حمود من مساهمة في نشر النفايات وفقا لاتجاه الرياح والموج".
وعن الحلول، قال: "المعالجة بالتفكر والتخلص والإسترداد من خلال حلقة أساسية لمحارق ومطامر صحية، ومن خلال حلقة رئيسية من خلال التدوير والإسترداد، وعدم الإنجرار لمقولة لا للمطامر لا للمحارق، فهذه دورة لحلقات متكاملة ولا بد من اعتمادها في حل مستدام لهذه الأزمة وغيرها، فضلا عن البدء بالتوازي بحل مشكلة المخلفات السائلة قبل أن تصل إلى مستويات أخطر مما هي عليه الآن، فقد بدأت تلوث مياهنا الجوفية والجارية بصورة كبيرة، مهددة الزراعة والسياحة وصحة المواطنين".
المنهجية العنقودية
أما بالنسبة إلى "المنهجية العنقودية والتركيبية" Cluster Based Approach ، فلفت إلى "انها تتمحور حول (حلقة المعالجة المتكاملة والإسترداد) في موقع واحد، عنقود (علمي – عملي) ومعترف به عالمياً في كل قضاء أو محافظة و(حلقة الإسترداد والتخلص) السليم من خلال التفكك الحراري والطمر الصحي والمُراقب (في القضاء أو المحافظة)".
وأضاف: "وهي تعتمد على عدة نقاط: أولاً، تشارك الثلاثي المكون من اتحاد البلديات، الشركات المتخصصة ومراكز البحوث، ثانياً، دراسة خارطة تصنيف واستعمالات الأراضي في القضاء أو المحافظة، وثالثاً، اختيار الموقع الملائم الجغرافي والجيولوجي (الموقع المَلك)، فضلا عن تنفيذ الإدارة المتكاملة لإدارة المخلفات الصلبة والسائلة، ومن ثم تدعيم هذه العملية بحملات توعية واعلام ترشيدي، وكذلك، بلورة الحوافز وملاحقة من خلال شرطة بيئية مدربة وتبقى الغاية والوسيلة من المنهجية التركيبية العنقودية هي حلقة (التجنب والتخفيف والإسترداد)، ونرتكز فيها إلى سياسات الولوج للمعلومة، المبدأ الاحترازي، الترشيد والتوعية، الملوث يدفع، التحفيز والضرائب (في عمليتي الإنتاج والاستهلاك) والردع والمحاسبة (المسؤولية هي حكومية وغير حكومية مشتركة ومتفاوتة)".
لمشاهدة الفيديو على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/serji.molotov/videos/1882980631774373/