"غدي نيوز" *بسام سامي ضو -
حزنت للانسحاب شبه الكامل لمرشحي ما يُعرف بـ " الحراك المدني "، بمختلف مسمياته، لكني لم أفاجأ. سبب حزني هو تبدد بارقة أمل لاحت بتحركٍ كسَر أو في الحد الأدنى هزّ تماسك حلقة محكمة تقبض على زمام الحياة السياسية في لبنان، وتقرر عنها مصيرنا، بل قل بئس المصير، وتتوزع خيرات البلد - أو ما تبقى منها - وعينها على الآتي الذي يمكن أن يشكل "مغارة رزق" جديدة، أي النفط والغاز.
أما لماذا لم أفاجأ، فلأني كنت شبه مقتنعٍ بأن هذا الجذع من تلك الشجرة، أي إن هؤلاء "الشباب التغييريين"، الذين أعلنوا رفضاً لمسارٍ تحكّم بحياة أجدادهم وآبائهم، وواصل تحكمه بحياتهم، واستكمل استعداداته للقبض على حياة أبنائهم والأحفاد، إنما أتوا من الرحم التي أتت بمن شكوا منهم وانتفضوا عليهم، وأعني التركيبة أو الذهنية اللبنانية المستفحلة في جيناتنا أباً عن جد، والتي نفاخر بتوريثها لأبنائنا، معتبرينها سمةً فريدة لا مثيل لها في العالم، وهذا صحيح، ولو أنه ليس مدعاة مفاخرة، بدليل أن معظم هؤلاء التغييريين ركبوا الموجة السائدة، بل استبقوا حتى وصولهم إلى مناصب في السلطة، بالانقلاب على أنفسهم، والاختلاف على ملامح سلطة، بدليل ما كشف عنه أكثر من منسحب من معركتهم في الترشح إلى الانتخابات النيابية ، من خلافات وانقسامات تقوم على الشخصانية في مقاربة "المهمة"، ومن صراعات على البروز إعلامياً، وعلى تسيّد النقاشات والتفرد باتخاذ القرارات، وصولاً إلى التمييز الجندري بين المرشحين والمرشحات.
وبالرغم من أهمية التوصيف أعلاه في شرذمة صفوف "المعارضين المفترضين" وتفرّقهم، بعكس ما كان يؤمل منهم من وحدة متراصة في لوائح جامعة وعابرة لمختلف أشكال الانقسامات، مناطقياً وطائفياً، في ما يشكل استكمالاً لنجاح، ولو محدود، في انتخابات المجالس البلدية التي عكست رغبة الناس ونزعتهم إلى تغييرٍ يصوّب نهجاً راسخاً في المحاصصة والفساد والتقسيم والتجييش دفاعاً عن مصالح ندركها جميعنا. بالرغم من ذلك إذاً، ثمة عامل أساس أسهم في اتخاذ "حراكيين" كثر قرار الانسحاب من معركة بدت نتائجها شبه محسومة، وتصب في مصلحة رجالات الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة بنا، وهو الحنكة التي يملكها هؤلاء، وتحديداً الأقطاب بينهم، والخبرة في تطويع أي قانون كي يصب في نهاية المطاف في مصلحتهم. إذ سرعان ما استفاقوا من قلقٍ مؤقت بأنّ قانون الانتخابات القائم على شكل من أشكال النسبية سيطيح ببعض قوتهم، ويُفقدهم مقاعد يحتاجها كل منهم لتمرير مشاريع قوانين، أو إسقاطها، أو يحرمهم سلطة ترجيح أو تعطيل. فكانت مرحلة مراجعة حسابات لم تستغرقهم طويلاً ليكتشفوا أن "مصلحتهم المشتركة" لا تكمن في مواجهة كل فريق الآخر بلوائح متنافسة، بل في اجتماعهم وتوحدهم وتوزعهم وتقاسمهم لوائح تجمع بينهم، حتى ولو كان ذلك أشبه بجمع الماء إلى النار، لكنّ الغاية تبرر الوسيلة، والغاية هي صون المكتسبات وتكريس الثوابت والمرجعيات والزعامات والتوريثات، وفق تفاهمات تبيح للنقيض التحالف مع نقيضه، وتستدعي دفاع كل منهما عن الآخر في وجه "نسمة تغيير" جنّدوا كل أعاصيرهم ليتجنّبوا مرارتها.
وتكفي نظرة على تحالفات الأضداد ولوائح اللامنطق وحسابات الربح والخسارة والتركيبات المخجلة والمتنكرة لتاريخ من المواقف والثوابت و"التضحيات" والشعارات، لتُظهر أن الربح سيكون حليف "الأقوياء" تقليدياً، ولو كلفهم تراجعات مبدئية واستغرابات شعبية، والخسارة ستكون حليف "التغييريين" الذين لا شك في أن لهم في حدوثها نصيباً.
*كاتب وصحافي لبنان (الإمارات العربية المتحدة)