"غدي نيوز"- إعداد سوزان أبو سعيد ضو
بمقاربة علمية، وتصوير واخراج رائعين، أنجز المخرج لوك جاكيت فيلما بعنوان " كان هناك غابة" Once Upon a Forest, Luc Jacquet، فمخرج "سَــيْر البطريق الإمبراطور" و"الثعلب والطفل"، صور هذه المرة حيوية الأشجار الفائقة التي سحرت عالِم النبات فرانسي هاليه، في قصة ترويها هذه "الكائنات الحية" التي تسود الغابات الاستوائية.
لوك جاكيت، أنجز فيلمه الوثائقي "كان هناك غابة"، ليروِ فيه قصة "الكائنات الحية... التي تميّز الغابات الاستوائية"، بالصورة والنص والتعليق والجماليات غير المتناهية، وبكاميرا تلهث خلف ملايين الأشجار بأنواعها الكثيرة وأشكالها الغريبة وسكانها وأسرارها وألوانها وفصولها و"عبقرياتها" النباتية.
سيدة الغابة الاستوائية الافريقية موابي، هي أكثر من شجرة، بل عالم يرتفع عن الأرض عمودياً أكثر من 70 متراً، وتعمر نحو 600 عام، وتمتد ظلالها وأجسامها على امتداد كيلومترات عديدة.
يركز عالِم النبات فرانسي هاليه على "موابي"، التي يتسلقها بخفة "القرد" على الرغم من بلوغه الخامسة والسبعين، عندما يكون في دولة الغابون. يستقر خوفاً بين تشابكات الأغصان، التي تنفتح كأصابع تريد أن تدغدغ الغيوم. وهناك، في استقراره يرسم "إنها الطريقة الوحيدة لانتزاع تفاصيل العالم ذي الكثافة الخارقة".
من فوق، يستقبل عالِم النبات رسائل الغابة ويكتشف تنوعها اللامتناهي. فالغابة الاستوائية تضم 16000 نوع من الأشجار المختلفة، بحسب دراسة نشرت في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الفائت في مجلة "العلم" Science.
فالأمازون وحده يحتوي على 390 مليار شجرة. لكن هذه الغابة مهددة، كما يقول هاليه، "ولكي أتحدث عن ذلك لن أتبنى خطاب الايكولوجيين الذي يحملنا الذنب وكأننا نحن المسؤولون عن "(إبادة) الأشجار. أريد أن أبرهن العكس إلى أي مدى هذه الغابة سحرية، جميلة وأساسية بالنسبة إلى الإنسان، أولاً لأن الشجرة هي مهده وثم لأنها مستقبله".
الغابة الاستوائية تبقى سراً، حتى بالنسبة لفرانسي هاليه (وهو ملهم فكرة الفيلم) الذي أمضى جزءاً من حياته وسط الأشجار الضخمة. فهذه الكائنات كما يقول هاليه "هي كائنات حية لا علاقة لها بنا، لأنها تبقى جامدة. وبفضل ذلك، فإن مخيلتها وابتكاراتها هما سبيل استمرارها في البقاء بلا حدود".
ويوضح فرانسي هاليه حول ما اكتشفه بعض العلماء من حيث إعادة مقاربة عملية تنظيم نبض "الأجهزة" الذاتية لهذه الأشجار، فيقول "على امتداد قرون، اكتفى علماء الأحياء بتركيز اهتمامهم على الحيوانات، ولم تعتبر الأشجار والنباتات سوى كمصدر تغذية من الأنواع الحيوانية. اما في الغابات الاستوائية، اكتشفنا أن العكس هو الصحيح: فالعالم الحيواني هو الذي في خدمة الغابة"!!
إن لم تمتلك الشجرة دماغاً، فهي كمعالجة متجذرة في التربة بشكل كبير، فستؤثر على محيطها البيئي، مستغلة نملاً للدفاع عنه، محوّلة أوراقها مرة عندما تقترب الفيلة، مطورة طفيلياتها مثل المفترسة في مواجهة فراشة هيليكونيوس. 45 نوعاً من الهيليكونيوس و150 من الزهرات الآلامية تولد من هذا الصراع التاريخي.
ويضيف فرانسي لمجلة (الفيغارو) "أن الشجرة، لكي تتكلم، لا تستخدم الكلمات بل العطور، شيفرات كيمائية تتوجه إلى الخاتلة أو إلى المدافعة المحددة، من أصغر طفيلية إلى أخرى آكلة النبات". والشجرة قادرة على إعادة إنتاج بروتينات حيوانية، مثل السيبروبيا التي تضع بيوض نمل مزيفة لتتجنب أن تفترس هذه أوراقها"، هذه المعجزة يعجز عن حلّها الذكاء الإنساني.
بالنسبة إلى فرانسي هاليه، هناك قطع عبقرية نباتية "فالإنسان بدأ يفهم أن الشجرة ليست فقط جذعاً. على امتداد سنوات رحنا نقطع أرجل طاولة مغطاة بشرشف أبيض، وغطاء من الفضة، وأصناف شهية من دون أن ننتبه إلى ذلك".
وهنا يستطرد فرانسي هاليه "بعيدا من فكرة جعل هذه الغابات مزارات، فعالِم النبات يناضل بأن يستفاد من غناها، واستغلال عبقرية هذه الغابة. فما يحملني على اليأس، أن الإنسان اختار طريقة للاستخدام الاقتصادي للغابة الاستوائية الأكثر تخريباً وتدميراً: قطع الأشجار المعمرة ما يضاعف قروناً من الأسفل، من القدم. فالقيمة المضافة إلى الخشب تافهة إذا ما قورنت بالجزيئيات الكيميائية التي يمكننا اكتشافها واستعمالها".